لا تطبيع بدون دولة فلسطينية: دلالات وتوقيت مواقف وليّ العهد السعودي

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات

تقديم:
توقف المراقبون عند توقيت ومكان ومناسبة إعادة تأكيد وليّ العهد السعودي على موقف المملكة من القضية الفلسطينية ومسألة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. ويأتي الإعلان الصادر عن وليّ العهد ليسلّط الضوء على احتمالات ما يدور بشكل مكثّف في الكواليس وحاجة الرياض إلى إنهاء اللغط الذي تسرّبه مصادر أميركية وإسرائيلية بشأن الاتفاق الاستراتيجي بين واشنطن والرياض، والقرب الوشيك لإبرامه بما في ذلك موافقة السعودية على إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل.
نقرأ تفاصيل الحدث ونرصد احتمالات حوافزه والتحليلات التي تقف وراءه.
– في 18 سبتمبر 2024، أعاد وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، التأكيد على موقف المملكة على “عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية”. ويعتبر هذا الموقف، من خلال خطاب يلفيه بالنيابة عن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بمثابة إعلان دولة بهذا الشأن.
– تقدم الأمير بن سلمان بهذا الموقف في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى الذي يعتبر برلمان المملكة. بمعنى أن الموقف يمثل الدولة ومؤسساتها السياسية ويعتبر توجيها من أعلى سلطات البلاد بشأن العناوين السياسية الكبرى للملكة والثوابت المتعلّقة خصوصا بالقضية الفلسطينية.
– أعلن الأمير في خطابه أن “القضية الفلسطينية تتصدّر اهتمام” السعودية، بما يعني أن فلسطين قضية أساس وليست فرعا في صياغة السياسة الخارجية السعودية، وأنها أصل في بنود أي اتفاق استراتيجي يجري التباحث حوله في الشهور الأخيرة، ومن خلال مستويات مختلفة من المبعوثين الأميركيين، بعد بدء الكلام عنه مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، في الزيارة التي قام بها للرياض في يوليو 2022.
– جدد وليّ عهد السعودية “رفض المملكة وإدانتها الشديدة لجرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني”. ويعبّر توقيت تجديد هذه الإدانة موقفا منتقدا لواشنطن في التعايش مع حالة الإبادة التي تنفذها إسرائيل في غزّة وما تخطط له في الضفة الغربية من جهة، مع مساعي واشنطن لإبرام الاتفاق الاستراتيجي الأميركي السعودي من جهة أخرى.
– استخدم الأمير محمد عبارات واضحة في معانيها القانونية ومغازيها السياسية في التأكيد على أن المملكة “لن تتوقف عن عملها الدؤوب، في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”. وتتميّز هذه الصيغة بما يلي:
-أولاً: تعيد التأكيد على المبادرة الأصلية السعودية للملك عبد الله بن عبد العزيز، والتي تحوّلت إلى مبادرة عربية للسلام صادقت عليها قمّة بيروت عام 2002، لجهة مبادلة السلام بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
-ثانيا: توضح لغطا جرى الترويج له في تصريحات سابقة صدرت عن منابر رسمية عربية وغربية تحدثت عن قيام علاقة مع إسرائيل “شرط إطلاق مسار لا رجعة عنه نحو إقامة دولة فلسطينية”. وقد أوحت هذه الصيغة بأن المطلوب “مسار” لا توقيت لنهاياته من أجل إقامة “دولة” وليس بالضرورة “دولة” المبادرة العربية.
-ثالثا: تجزم للأميركيين أن لا اتفاق استراتيجيا (في عزّ الهوّس بالخطر الصيني) مع الولايات المتحدة حتى لو تضمّن اتفاقا دفاعيا أمنيا ورعاية لبرنامج سعودي نووي إذا لم يشمل قيام “الدولة الفلسطينية” بعاصمتها التي سبق لإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن اعترفت بكليتها عاصمة لإسرائيل.
– توجَّه ولي العهد السعودي “بالشكر إلى الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية تجسيداً للشرعية الدولية”، وحثّ باقي الدول على القيام بخطوات مماثلة. ويعني ذلك أن السعودية ليست طرفا خارجيا داعما للفلسطينيين في إقامة دولتهم فقط، بل هي معنيّة بذاتها بإقامة هذه الدولة بصفتها مطلبا سعوديا وتوجه بالشكر لدول العالم الداعمين لهذا المطلب في خيارات المملكة الاستراتيجية.
– في 22 مايو 2024، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن “الولايات المتحدة والسعودية اقتربتا جدا من إبرام اتفاقيات في مجالات الطاقة النووية والتعاون الأمني والدفاعي”. أوضح، خلال جلسة استماع بمجلس النواب، أن “وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات قد يتم “بعد أسابيع”، محذّرا من أنه “لا يمكن الشروع في عملية التطبيع على نطاق أوسع، ما لم يتحقق هدوء في غزة وما لم يُعبَّد طريق لإقامة دولة فلسطينية”. وهذا مناف لموقف بن سلمان الذي لا يكتفي بـ “هدوء” و “تعبيد”.
– في 10 يونيو 2024، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن إدارة الرئيس بايدن تقترب من إتمام معاهدة أمنية مع السعودية، تلتزم بموجبها واشنطن بالدفاع عن المملكة، في مقابل خطوات لتحسين العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وإسرائيل. تشمل الصفقة أيضا اتفاقا نوويا مدنيا وتحركات نحو إقامة دولة فلسطينية، وإنهاء الحرب في غزة. ويتطلب التصديق على المعاهدة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ الأمريكي. ومعلوم أن واشنطن تتعذّر بصعوبة إقناع الثلثين بالاتفاق من دون “التطبيع”.
– يأتي الموقف السعودي منسجما مع تأكيد الشيخ عبدالله بن زايد ، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية أن: “الإمارات غير مستعدة لدعم اليوم التالي من الحرب في غزة دون قيام دولة فلسطينية”. من جانبه، أكد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، أن الإمارات ستبقى إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، معتبراً أن تصريح الشيخ عبد الله بن زايد يعكس قناعة الإمارات بأن لا استقرار في المنطقة إلا بحل الدولتين.
خلاصة:
**يمثل تأكيد وليّ العهد السعودي على موقف المملكة بعدم إقامة علاقات مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية، رسالة حازمة لواشنطن وللعالم يحسم شطط اللغط الصادر عن مصادر أميركية بشأن قرب التوصل إلى اتفاق سعودي أميركي استراتيجي يشمل تطبيعا سعوديا إسرائيليا.
**تقديم هذا الموقف في خطاب بالنيابة عن العاهل السعودي وأمام مجلس الشورى، يقدم الموقف بصفته تعبيرا عن المؤسسة الملكية والدولة بمؤسساتها السياسية ويمثل توجّها استراتيجيا ثابتا لم يحدْ عن المبادرة العربية للسلام وهي مبادرة سعودية أصلا.
**قدم وليّ العهد صيغة “الدولة الفلسطينية” بشكل حاسم بأنها “مستقلة عاصمتها القدس الشرقية”، بما يبدّد تصريحات عربية ودولية سابقة عن أن السعودية تشترط “مسارا لا رجعة عنه لقيام دولة فلسطينية” ما أثار لغطا بشأن ضبابية هذا المسار وشكل الدولة التي تنتج عنه.
**يبدد تأكيد ولي العهد لشرط السعودية بشأن قيام دولة فلسطينية كل التكهنات السابقة بشأن “قرب التوصل” إلى إبرام اتفاق استراتيجي سعودي أميركي. وفيما يحتاج الاتفاق إلى مصادقة ثلثي أعضاء الكونغرس، فهذا يعني أن على هذين الثلثين المصادقة على شرط قيام الدولة الفلسطينية.
**يأتي موقف ولي العهد السعودي بعد أيام على موقف مماثل صدر عن الإمارات، على لسان وزير الخارجية، “ترفض فيه الإمارات دعم اليوم التالي من الحرب في غزة دون قيام دولة فلسطينية”، وقبل أيام من قمّة بايدن والشيخ محمد بن زايد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.