المشهد الاسبوعي في اسرائيل30/9/2024

أمير مخول، مركز تقدم للسياسات

اولا: الحرب على غزة والجبهة الشمالية:

1. التحول في التعاطي الامريكي مع اسرائيل

وفقا للمحلل السياسي والاستراتيجي للقنال 14 يعقوب بردوغو والذي يمثل الذهنية اليمينية الحاكمة، فإن التحول الاهم في السياسة الامريكية تجاه اسرائيل هو بالتوقف عن ازدواجية الموقف القائم على دعم واسناد اسرائيل من جهة وتحديد وضبط نشاطها الحربي العملياتي من الجهة الاخرى. يرى المحلل ان “التحول الكبير” الحاصل امريكيا هو في هذه النقطة، اذ لم تعد ادارة بايدن تقف في وجه العمل الحربي الاسرائيلي، معتبرا ان اغتيال حسن نصر الله ليس عملية عسكرية فحسب، وإنما “خطوة استراتيجية تغير قواعد اللعبة في الشرق الاوسط”. كما ان العيش خلال عشرين عاما تحت تهديد حزب الله المباشر قد صمموا السياسة الامنية الاسرائيلية وأدوا الى محمل الحذر الكبير، بينما حاليا “انقطع هذا التهديد”.

يندرج هذا التحليل في الخطاب الذي يقوده نتنياهو والاهداف التي يرمي لها، وهو ما عبر عنه في تصريحات عديدة في البلاد وعالميا ايضا في خطابيه امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة 26/9 وامام الكونغرس قبل اسابيع، والترويج لجدوى الدور الاسرائيلي الاستراتيجي تجاه الولايات المتحدة والدول الغربية، وبأن اسرائيل هي الجبهة المتقدمة لهذه الدول “المتحضرة” في مواجهة “محور الشر” الذي وفقا له تقوده ايران.

وفقا لتقديرات اليمين الحاكم ووسائل اعلامه فإن اسرائيل قد اثبتت بشكل قاطع قدرتها ميدانيا على تطبيق ما ورد في خطابي نتنياهو، وهو مسعى لرفع أسهم استراتيجيتها. اذ تقنع العالم بأنه بعد تبيان قدراتها (فعليا، المسنودة بالقدرات العظمى الامريكية) في عمليات التقويض ضد حزب الله، فإن هذه العمليات وحصريا اغتيال نصر الله جعلت “راس الاخطبوط” ايران، مكشوفة ومستهدفة وأضعف. وان امكانية مهاجمتها وتدمير مرافقها الصاروخية والنفطية والنووية وحتى تقويض النظام، باتت متاحة وفقا لإسرائيل. بينما ترى اسرائيل ان مهمة الولايات المتحدة هي توفير مظلة حربية عظمى حقيقية لها تتيح استهداف ايران، والقضاء على طموحاتها الاقليمية. يقرأ اليمين الاسرائيلي الحاكم الموقف الامريكي بأنه يشهد تحولا بهذا الاتجاه، خاصة وان ما يطرحه نتنياهو على انه استراتيجيته هو، انما هو موضع اجماع قومي صهيوني دون اي استثناء، بما فيه من تراهن عليهم الادارة الامريكية في المعارضة الاسرائيلية اضافة الى وزير الحرب وقيادة اركان الجيش. 

2. نوايا/اوهام نتنياهو في مقايضة السعودية: لبنان بدلا من فلسطين؟

قد يكون هذا حلم نتنياهو الجميل، وقد يكون ينتظر عودة ترامب لإعطاء زخم لهذه النوايا، الا انه يراهن على سياسات ترامب من دورته السابقة، وبالتشديد على الاتفاقات الإبراهيمية وجهود ترامب لتطويع السعودية والذي اخفق به. بل ان مجمل ما سعى اليه الاخير قد اهتز في السنوات الماضية وحصريا منذ الحرب على غزة قبل عام. ثم ان المملكة العربية السعودية تصر على موقفها وهو “مبادرة السلام العربية” والتي هي مبادرتها في الاصل، واقامة دولة فلسطين او ضمان اقامتها كمقدمة لأية علاقة رسمية مع اسرائيل.

الا ان الخطة الاسرائيلية تسعى الى اعادة الدور السعودي العميق في لبنان، وذلك من باب اعادة الاعمار الذي يسرّع الجيش الاسرائيلي عملية التدمير الشامل في جنوبه واخلائه من كل سكانه، كما يعتمد التقدير الاسرائيلي على ان الدور التاريخي لسوريا قد انتهى في لبنان والذي تولدت عنه بالتوافق مع السعودية اتفاقات الطائف والتي أسست الى نوع من تقاسم المصالح والادوار المبني على تقاسم السلطات لبنانياً. كما ان حزب الله بعد الضربات التي يتعرض لها من المفترض ان يتراجع الأثر بشكل جوهري، مما يتيح انتخاب رئيس لبناني واستعادة الدولة اللبنانية لسيادتها وفقا لإسرائيل.

تطمح المنظومة الاسرائيلية الحاكمة الى ان تقبل السعودية بما ترمي له حكومة نتنياهو، وقبول عرض المقايضة القائم على لبنان مقابل فلسطين، اي التطبيع مع اسرائيل مقابل دور الاخيرة في لبنان الذي تتعامل معه الاوساط الحاكمة كما لو كان يخضع للإملاءات الاسرائيلية.  تندرج هذه التصورات في اطار ما تعتبره فرصة وفرتها الانجازات الاسرائيلية الحربية الجوهرية في لبنان. 

بيد ان حالة النشوة و”جنون العظمة” سرعان ما تناست ان نتنياهو في خطابه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة والخالية من غالبية اعضائها، قد وجّه كلامه الى العربية السعودية، في حين كان مقعد الاخيرة شاغرا لمقاطعتها لخطابه كما فلسطين ومعظم البلدان العربية ودول العالم.

للخلاصة فإن هذا المسعى الاسرائيلي هو من طرف واحد، ولصرف الانظار عن فلسطين ولتبرير العدوان على لبنان وسعي يائس لايجاد طرف عربي يقبل به. 

 

3. بداية القلق الاسرائيلي من فائض الغطرسة وتداعياته

وفقا لإسرائيل فإن الضربات الكبرى التي سددتها لحزب الله لغاية الان هي المقدمة والتمهيد لما هو آتٍ من خطوات تؤدي الى تحويل النجاحات العملياتية الى تغيير استراتيجي لبنانيا واقليميا. تقول التقديرات الأمنية إنه في حال اختيار هاشم صفي الدين خلفا للسيد حسن نصرالله فهذا الاحتمال الاسوأ اسرائيليا اذ انه الأكثر احتمالية بأن ينجح في ترميم التنظيم والحفاظ على بنيته وسياسته وارتباطاته في سياق حرب الاسناد فلسطينيا والاستنزاف اسرائيليا والتي تقع ضمن استراتيجية وحدة الساحات ومحور المقاومة. بينما تواصل اسرائيل ضرباتها الاكثر كثافة والمتتالية دون توفير فرصة التقاط الانفاس وجبر الاضرار. 

بالتوقف عند ما تريده اسرائيل فإن المهمة الاولى بالنسبة للمستوى العسكري والامني هي تقويض حزب الله بشكل كامل وتفكيك منظومته والقضاء على ترسانته، وخلال ذلك خلق واقع ميداني يدفع خليفة نصر الله الى ان تكون اولويته محصورة في مجرد بقاء حزب الله في لبنان وعلى حساب الحرب ضد اسرائيل. وهذا يعني ايضا وضع إيران امام “التحدي الاستراتيجي للحيلولة دون قيام المواطنين اللبنانيين من الانتفاض عليه وتآكل مكانته، مقابل السعي الايراني الى تبني دبلوماسية هادفة لرفع العقوبات الغربية” وهذا على حساب استراتيجيتها القائمة على محور المقاومة.

بينما يدعو اهود يعري الى خلق واقع يدفع دولة لبنان الى استعادة سيادتها وابرام اتفاق وقف إطلاق النار مع اسرائيل دون ارتباط مع غزة. كما ويؤكد على التحولات الجارية في القراءات السياسية، بما فيه التغير في توازنات القوى السياسية لصالح انتخاب رئيس للبنان.

يرى زوهر بالطي وهو القيادي السابق في الموساد ان اغتيال امين عام حزب الله استغرق عشرين عاما من التخطيط والتحضيرات، وقد شارك فيها الموساد منذ عهد مئير دغان مرورا بتامير باردو ويوسي كوهين ولغاية دافيد برناع الحالي، اضافة الى بناء منظومة ادارة الخطة القائمة أساسا على الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية وربطها بسلاح الجو. ويعتقد ان المخطط قد استهدف سلسلة القيادة والاركان في حزب الله والتي باتت “هشة ومشوشة بشكل كبير جدا” كما ويشير الى انه بعد عملية تفجير اجهزة الاتصالات التي عطلت مساهمة الاف عناصر الحزب في القتال وخلقت حالة ضياع، لتليها الاغتيالات النوعية، فقد بات حزب الله مكشوفا تماما وغير قادر على الرد وغير قادر على الحماية الذاتية بمن فيه لأمينه العام. كما يسدد بالطي ومعه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا تامير هايمن بأن الهيمنة المطلقة كانت من خلال التفوق التكنولوجي المطبق لإسرائيل وليس بالضرورة لوجود اختراقات بشرية. كما ويحذر بالطي من جنون العظمة ويؤكد ان “المعركة الحاسمة لم تبدأ بعد“. كما وتأتي عملية اغتيال مسؤول حماس في لبنان وثلاثة من قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني يوم 30/9 في إطار التأكيد ان الاختراقات في جوهرها نتاج تفوق تكنولوجي استخباراتي بما فيه الاستخدام العسكري للذكاء الاصطناعي.

يشير هايمن الى الجانب العملياتي للجيش الاسرائيلي في لبنان بعد الضربة الصميمية لمنظومة القيادة والسيطرة في حزب الله وزعزعته، هي في القضاء على ترسانة الحزب الضخمة وحصريا على ترسانته الاستراتيجية، وان الجيش يقوم حاليا بعملية تستهدف كل الجغرافية اللبنانية في هذا الصدد، مشددا على ان الواقع الميداني يتيح ذلك. كما وهناك اجماع قومي صهيوني بأن عملية التطهير العرقي الهائلة وإخلاء جنوب لبنان من سكانه والقيام بسياسة الارض المحروقة باعتبار “كل بيت فيه صاروخ مصيره الدمار” والذي يعني تدمير كل البنية العمرانية كما في قطاع غزة، لتشكل الارض المحروقة مناطق عازلة تتبعها سيطرة اسرائيلية عسكرية في مناطق واسعة منها ضمن ما تطلق عليه ادارة بايدن “اجتياحا بريا محدودا“.

بدوره يؤكد تامير باردو رئيس الموساد السابق بأن إسرائيل ترتكب خطأ استراتيجيا في لبنان، وبدلا من الدخول في مفاوضات مع الدولة اللبنانية للتوصل الى حل بصدد الحدود والوضع الامني، فإن المسعى السائد هو تدفيع لبنان حكومة وشعبا ودولة الثمن ضمن الاعتقاد بأن ذلك سيؤدي الى صراع لبناني داخلي سياسي واهلي ومذهبي ضد حزب الله بما يخدم طموحات نتنياهو. الا ان المستوى السياسي والامني يجمعان على التقدير بأن اساس الواقع الاستراتيجي في لبنان يتغير بشكل جوهري وعلى أن الخطوة القادمة هي التفسير الاسرائيلي للقرار 1701 بضرورة انسحاب حزب الله الى ما بعد الليطاني وتفكيك سلاحه بالكامل، ويجري تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية ما يحدث في اراضيها وتدفيع لبنان دولة وشعبا الثمن، هذا بالإضافة الى الهيمنة الاسرائيلية على مطار بيروت وتحديد هوية رحلات الطيران اليه، بالإضافة الى الهيمنة امنيا على الحدود اللبنانية مع سوريا.

في هذا الصدد تتسع دائرة الاوساط الحاكمة اسرائيليا الداعية الى القيام بعملية كبرى في البقاع اللبناني تهدف الى تدمير ترسانة حزب الله الاستراتيجية والى منع التواصل بين البقاع والاراضي السورية، يضاف اليها الدعوات الى احتلال جنوب غرب سوريا وحتى السويداء واستغلال التوترات بين سكان هذه المناطق والنظام السوري، واقامة اقليم انفصالي عن سوريا بذريعة تواجد عشرات الالاف من المقاتلين القادمين من عدة دول الى هذه المنطقة لفتح جبهة اسناد اخرى وفقا لإسرائيل. في حين هناك مؤشرات بأن لإسرائيل نوايا في تقويض النظام السوري وتفكيك التكامل الجغرافي لهذا البلد في حال حرب اقليمية مع إيران ستقوم بها فقط اذا نجحت حكومة نتنياهو بتوريط ادارة بايدن فيها، كما وتوجد دعوات لنسخ ما حصل مع م ت ف بعد حرب لبنان 1982 وخروج بيروت وفي اجواء الشعور بالنشوة والانتقام لإخفاق اكتوبر تتسع دائرة الاصوات التي تعتقد بأن خطاب نتنياهو بتغيير الشرق الاوسط بالقوة العسكرية هو امر غير قابل للتحقيق واكبر من قدرات اسرائيل ثم انه لا يحل أيا من ازماتها المستعصية خارجيا وداخليا على السواء. وفي حال فشل خطة تقويض حزب الله فإن الامر يعني اخفاقا في تحقيق الاهداف الاستراتيجية

في اعقاب الغطرسة غير المنضبطة، والاندفاعة الى مهاجمة إيران مباشرة وحسم المعركة في لبنان وغزة واليمن، بدأت التحذيرات من عواقبها والتي قد تكون وخيمة على اسرائيل. فالحرب على غزة لا زالت قائمة ولم تنجح في اعادة الاسرى والمحتجزين، ومشاريع التهجير فيها وفي الضفة لا تزال واردة وبقناعات اوساط حاكمة، كما انه لا توجد تقديرات عسكرية تؤكد ان المواجهة مع حزب الله قد حسمت فعليا رغما عن الضربة الكبرى التي تلقاها. في مقدمة المحذرين يقف عدد من المحللين العسكريين وجنرالات سابقين ممن يدركون انه في مثل هذه المواجهات لا مكان للانتصارات، ثم ان اسرائيل تخلق فعليا “شرق اوسط” معاد لها وليس فقط شعوبه.

للخلاصة:

• تشكل النوايا الاسرائيلية المعلنة تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي والاقليمي وتسعى الى زعزعته وفرض اصطفافات تخدم مصالحها على حسب تفكيك المحيط العربي والاقليمي معتمدة على القوة الامريكية.

• مهمة تقويض حزب الله واعتباره تنظيما قائما على الفرد وليس المنظومة تبدو وهمية وباعترافات اسرائيلية، بل ان مهمة ترميمه ليست منوطة بهوية الامين العام الجديد وانما بالمنظومة التي لا تزال قائمة كما ان اسرائيل لم تصل الى ترسانة حزب الله الاستراتيجية بل هذه تحديات ميدانية كبرى لا تزال تهدد الاجتياح البري الاسرائيلي حتى وان ارتفعت احتمالاته. 

• التقديرات بأن التفوق التكنولوجي الاستخباراتي ومخطط عمره عشرين عاما هو ما يقف وراء اغتيالات القيادة وتفجيرات وسائل الاتصال، وليس بالضرورة خللا داخليا لا يمكن ان يتيح هذا المقدار من الانكشاف.

• لا تزال جبهة الاسناد فاعلة ولم تتوقف ويبدو هذا موقفا استراتيجيا في مواجهة الاستراتيجية الاسرائيلية 

• بتقديرنا ان المعركة لم تحسم ولا تزال بعيدة عن ذلك وأن الاسئلة الصعبة سوف تعود اسرائيليا سواء فيما هل سيعود النازحون الاسرائيليون من الشمال الى بلداتهم، وهل من مكان لحرب اقليمية وما مصير الاسرى والمحتجزين في غزة. هذه الاسئلة قد تجد فرصة لها في السابع من اكتوبر بمرور عام على الحرب.

 

ثانيا: في السياسة الداخلية

4. غدعون ساعر في حكومة نتنياهو وادارة الحرب

اعلن غدعون ساعر رئيس حزب اليمين الرسمي ان قرر الانضمام الى حكومة نتنياهو وذلك على ضوء اغتيال امين عام حزب الله والنيل من التنظيم. كما وأكد ان انضمامه يتم من دون اتفاق ائتلافي مكتوب، وليس معنيا في هذه المرحلة بوزارة الحرب، بل ان يكون شريكا في ادارة الحرب. يعتبر ساعر من المناوئين عقائديا للدولة الفلسطينية وللسلطة الفلسطينية ومن مؤيدي الضم ومعارضي الصفقة ومن مؤيدي “خطة الجنرالات” القاضية يتهجير الغزيين جنوبا وهدم مدينة غزة وضم شمال القطاع واستيطانه.

من جهته حقق نتنياهو صورة الانتصار الكبرى في حياته السياسية، وقد حجبت صورة الانتصار هذه ثلاث مسائل سياسية جوهرية لا يمكن تجاوزها في المدى البعيد لكن للمدى القصير على الاقل باتت على هامش الحدث؛ الاولى هي قضية الاسرى والمحتجزين في غزة؛ والثانية هي قضية فلسطين عموما وغزة حصريا؛ والثالثة هي استبعاد المطالبة بلجنة تحقيق في اخفاق السابع من اكتوبر 2023. وهي القضايا التي يدور حولها الشرخ الاسرائيلي الداخلي لتضاف الى الشرخالقائم على علاقات المتدينين الحرديم بالدولة والجيش.

بموازاة ذلك حقق نتنياهو صورة انتصار سياسي اسرائيلي داخلي، اذ ينجح لأول مرة بتفكيك المعارضة بدلا من ان تفكك الاخيرة ائتلافه الحاكم. هذا مع التنويه بأن حزب ساعر لديه اربعة نواب في الكنيست الحالي ووفقا للاستطلاعات فلن يتجاوز نسبة الحسم في حال انتخابات جديدة قريبا.

يرمي ساعر الى ما هو ابعد من الانضمام الى حكومة نتنياهو، بل الى حزبه الليكود، ليعود اليه بعد انسحاب لنحو عقد من الزمن، وهو يعتبر من رواد اليمين العقائدي والقريب الى الفكر الديني اليهودي. هذا الطموح يواجه معارضة واسعة من قيادات في الليكود تسعى الى استبعاد امكانية ان ينافسها ضمن الصراع بين ورثة نتنياهو في حال شغر موقعه والذي بات يبدو بعيد المنال.

برلمانيا تعادل قوة ساعر حاليا قوة حزب بن غفير الذي تشهد شعبيته تراجعا جوهريا من 12 نائبا حسب الاستطلاعات قبل اربعة أشهر الى 6 نواب وفقا لاستطلاع 29/9 حيث فقد فيه ثلاثة نواب لصالح الليكود الذي عاد ليكون الحزب الاكبر ب25 نائبا، وذلك في الاستطلاع الاول بعد اغتيال نصرالله.

انضمام ساعر لا يضيف للحكومة الحالية مضمونا سياسيا ولا قيمة فعلية له في ادارة الحرب. الا انه بالنسبة الى نتنياهو ضروري لحروبه الداخلية. فهو يضمن غالبية حكومية وبرلمانية لصالح الالتفاف على قرار المحكمة العليا بتجنيد المتدينين الحرديم للجيش ويتيح لمدارسهم الدينية تلقي المساعدات الحكومية. هذا ما يضمن بقائهم في الائتلاف وفقا لنتنياهو وحيث شكل وزير الحرب غالنت عقبة امامه نظرا لإصراره على تجنيدهم. كما ويبقي نتنياهو بيده قرار اقالة غالنت مستفيدا من تهديده به ومستفيدا من اخراجه الى حيز التنفيذ متى اقتضى الامر، وللتنويه فإن نتنياهو في “خطاب الانتصار” بعد اغتيال نصرالله اثنى على الاجهزة الامنية وعلى نفسه بالطبع لكنه لم يذكر وزير الحرب بتاتا.

بالنسبة الى نتنياهو فإن انضمام ساعر الى الحكومة وحصريا في هذا التوقيت الذي يسبق التصويت على الميزانية في نوفمبر فإنه يضمن الى حد كبير بقاء حكومته لغاية نهاية دورتها عام 2026 لتكون من الحالات النادرة التي تكمل فيها حكومة دورتها الكاملة، ويبقى احتمال بأن يقوم هو بتقديم موعد الانتخابات واستغلال شعبيته المتصاعدة لضمان دورة اضافية لحكمه الاطول بين رؤساء وزراء اسرائيل، وهذا من الامور التي تشغله ولو رمزيا.

بعد انضمام ساعر باتت المعارضة أضعف واكثر تشتتا، وفي حال اقرار الميزانية لن تقوم لها قائمة في المدى القريب.

للخلاصة:

• حتى في اعتى حروبه الخارجية يبقى جل اهتمام نتنياهو في الابقاء على حكمه

• انضمام ساعر لن يقلل ولن يزيد من استعصاء اهداف الحرب على التحقق

• باتت فرص بقاء حكومة نتنياهو للعام 2026 قائمة ومعها انسداد اي افق يأتي من اسرائيل.

• قد يضعف بن غفير برلمانيا لكن نهج ارض اسرائيل الكبرى يتعزز وضمنه استعصاء اي حل سياسي مع الفلسطينيين

5 . موديز” تخفض الليلة تدريج إسرائيل الائتماني بسبب اتساع الحرب

خفضت شركة موديز تدريج إسرائيل الائتماني الى المستوى الادني في تاريخها وهو BAA1 مترافقا مع توقعات سلبية، اي تخفيضات لاحقة. واتضح ان التخفيض لم يحصل فقط نتيجة للحرب، وانما نتيجة لإدارة الاقتصاد والسياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية ذات الصلة. كما حددت من بين المسببات الانقلاب القضائي وأثره على الثقة بالمنظومة الاسرائيلية واليات الرقابة الذاتية وحصريا تقويض دور الجهاز القضائي، بالإضافة الى عدم تجنيد الحرديم الذين في حال جرى تجنيدهم سوف يدعم ذلك الاقتصاد الاسرائيلي ويدفع الى تحسن في التشغيل والناتج العام الاجمالي للفرد. اخذت شركة موديز بالحسبان الوضع الامني والتصعيد الحربي المفتوح، وهروب رؤوس الاموال الاستثمارية من البلاد وهروب براءات الاختراع والمشاريع الناشئة ذات الصلة.

اعتبرت التحليلات الاقتصادية كما ورد في صحيفتي دي- ماركز وكلكليست بأن الترجمة المالية لتخفيض التدريج الائتماني تعادل فقدان قيمة بتريليون شيكل وذلك ضربة قاصمة لمستوى خدمات الدولة ولا تتوقع موديز انتعاشا سريعا وفي المستقبل القريب مما اعتبره الاقتصاديون الاسرائيليون أكبر من تراجع يلازم الحرب بل انهيارا ووضعية جديدة بالكامل.

حاول وزير المالية سموتريتش الاقلال من اهمية هذا التصنيف باعتباره انه “مع تحقيق الانتصار في الحرب” سوف ينتعش الاقتصاد. 

شكل التصعيد الامني والانجازات التي حققتها اسرائيل في لبنان خير وضعية لنتنياهو كي لا يلتفت الراي العام الاسرائيلي الى هذه الضربة الاقتصادية التي تكشف عمق الازمة الداخلية، وفعليا هرب الى “خطاب الانتصار” الامني ولفت الانصار فقط اليه.

للخلاصة:

• لا يزال التصعيد الحربي هو الاكثر لافتا للذهنية الاسرائيلية الرسمية والشعبية على السواء.

• لا يزال المجتمع الاسرائيلي غير مكترث للثمن الاقتصادي والمالي للحرب، ولا يربط بين الأمرين

• رغم “خطاب الانتصار” لا تزال اسرائيل في اعمق ازماتها أمنيا وسياسيا واقتصاديا ولا من أفق لاي مخرج

• ثقة المنظومة المالية والاقتصادية العالمية بإسرائيل في تراجع متدحرج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.