صفقة صواريخ “ستينغر” أميركية للقاهرة: إسرائيل قلقة من برنامج تسلّح مصر

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
 يثير الإعلان في الولايات المتحدة عن الموافقة على صفقة صواريخ “ستينغر” مع مصر أسئلة المتخصصين في شؤون الدفاع بشأن راهن ومستقبل التعاون العسكري الأميركي المصري. غير أن الصفقة، وعلى منوال أي عقد عسكري تبرمه مصر مع الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، تثير قلقا لدى بعض دول الإقليم وفي مقدمتها إسرائيل بشأن خطط التسلّح التي تعتمدها مصر وأسبابها. وعلى الرغم من فشل إسرائيل في تعطيل الصفقات الأميركية، غير أن حملات تُشن في واشنطن، لا سيما من قبل الكونغرس ولوبي إسرائيل، في كل مرة تجري فيها مناقشة عقود جديدة.
نرصد هذا التطوّر من خلال مسار من المعطيات والمعلومات والخلفيات التالية:
– في 24 سبتمبر 2024، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن موافقة وزارة الخارجية على صفقة محتملة لبيع 720 صاروخ “ستينغر” لمصر مقابل 740 مليون دولار. واعتبر البنتاغون أن عملية البيع “تدعم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة”، واصفة مصر بأنها “قوة مهمة للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في الشرق الأوسط”.
– أشار البيان الأميركي بشأن “ستينغر” إلى أن البيع “سيحسن من قدرة مصر على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية (..) ومن قدرة مصر على الدفاع عن نفسها ضد الجهات الإقليمية المعادية (…)، ويعزز قدرة مصر على العمل المشترك مع الأنظمة التي تشغلها القوات الأميركية وشركاء الأمن الإقليميين الآخرين”.
– ذكرت مصادر صناعية متخصصة أن “ستينغر” هو نظام دفاع جوي خفيف الوزن، يمكن نشره بسرعة بواسطة القوات البرية، مشيرةً إلى أن الصاروخ حقق خلال اختبارات الموثوقية والتدريب معدل نجاح يفوق 90 بالمئة. وأضافت أن الجيش الأميركي بدأ عام 2019 بتطوير الصاروخ بهدف جعله قادراً على تدمير المسيرات بضربات مباشرة أو عن طريق التفجير بالقرب منها.
– قبل عامين وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة بقيمة 691 مليون دولار يتم بموجبها تزويد مصر بأنظمة صواريخ “تاو – 2-إيه”، المضادة للدبابات ودعم تشغيلها.
– كانت وسائل الإعلام الأمريكية قد اهتمت آنذاك بأنباء استعداد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإبرام هذه صفقة مع مصر. ونقلت صحيفة نيويورك بوست عن مصادر أمريكية قولها إن الحكومة المصرية طلبت شراء أكثر من 5 آلاف صاروخ مضاد للدروع من طراز “تاو” بالإضافة إلى معدات دعم وقطع غيار وأدوات إجراء الاختبارات اللازمة كما طلبت مصر من الولايات المتحدة دعمًا تقنيًا ولوجستيًا.
– في التعليق على صفقة صواريخ “تاو” آنذاك، لفتت وكالة التعاون الأمني الدفاعي (DSCA)، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، إلى أن البيع المقترح لن يغير بهذه المعدات ومرفقاتها “التوازن العسكري الأساسي في المنطقة”.
– تتحدث التقارير عن أن التعاون العسكري بين مصر والولايات المتحدة يأخذ عدة صور تتمثل في مبيعات السلاح، ونقل التكنولوجيا العسكرية، والمناورات والتدريبات العسكرية المشتركة وتأتى معظم مبيعات السلاح من خلال المعونات العسكرية السنوية والتي تبلغ نحو 1.3 مليار دولار.
– تمنح العلاقات العسكرية المصرية الأمريكية واشنطن مزايا عسكرية ولوجستية شديدة الأهمية مثل استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس للسفن والبوارج الحربية الأمريكية حتى في حال حملها أسلحة نووية.
– ترى مصادر أميركية أن الخبراء الاستراتيجيون الأمريكيون متمسكون بوجود علاقات خاصة مع الجيش المصري، ويتذكرون جيدا دوره في حرب الخليج الأولى، التي شارك فيها بما يزيد على 30 ألف عسكري حاربوا بجوار الأمريكيين، وهو ما سهل من انضمام دول عربية أخرى للتحالف.
– تلفت مصادر متخصصة في الصناعة العسكرية الأميركية إلى أن واشنطن حريصة على عدم حصول الجيش المصري على أسلحة من دول أخرى منافسة مثل روسيا أو الصين، أو حتى صديقة مثل فرنسا وبريطانيا.
– في يونيو 2024، كشف تحليل أجراه معهد أبحاث دولي ونشره موقع Srugim الإسرائيلي وضع مصر في المركز السابع عالميا في شراء الأسلحة، متفوقة على قوى مثل الصين أو أستراليا. وتساءل الموقع الإسرائيلي: “لماذا يستمر الجيش المصري في تسليح نفسه دون انقطاع؟”
– أوضح الموقع العبري، أن “الرقم الأكثر إثارة للدهشة من التحليل الإحصائي” هو وضع مصر على رأس القائمة العالمية، في حين أن مصر، على عكس الدول الأخرى في القائمة، ليست قوة اقتصادية يمكنها تحمل تكاليف المشتريات الضخمة مثل المملكة العربية السعودية وقطر، أو قوة سياسية مثل الصين أو أستراليا أو اليابان تتطلب منها الاحتفاظ بجيش بهذه الضخامة.
– تابع الموقع العبري: “على الرغم من الوضع الاقتصادي الهش للغاية في مصر، يواصل الجيش المصري تسليح نفسه على الرغم من عدم وجود حرب في العقود الأخيرة، والنشاط الأمني الوحيد الذي شارك فيه هو قتال ليس طويل ضد داعش في سيناء”. وختم الموقع تقريره قائلا: “مصر تعظم قوتها بأسراب الدبابات والطائرات المقاتلة المتقدمة والسفن الحربية الضخمة.. فلماذا كل هذا؟”.
– في 11 سبتمبر 2024، كشفت مجلة “إسرائيل ديفينس” التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي أن مصر وقعت في 11 أغسطس الماضي، صفقة المقاتلات الصينية المتطورة J-10C بعد رفض الولايات المتحدة توريد طائرات مقاتلة حديثة للقاهرة من طرار  F-16.. وبحسب تقرير لموقع “Defense Blog”، فان الصفقة تضع مصر في موقع  العميل الدولي الثاني لطائرات J-10C ، بعد باكستان.
خلاصة:
**يكشف الإعلان عن موافقة واشنطن على صفقة صواريخ “ستينغر” مع مصر عن انتهاج القاهرة خطة تسلّح مستمرة، في ضوء التوترات التي تحصل في عدد من دول الجوار بما فيها اثيوبيا والصومال والسودان ،على الرغم من توتّرات سابقة بين واشنطن والقاهرة، وضغوط داخل واشنطن من قبل الكونغرس واللوبي الإسرائيلي المعرقل لصفقات الأسلحة.
**بالمقابل تكشف صفقة بيع الصين لمقاتلات من طراز متقدم لمصر، حرص القاهرة على كسر احتكار الولايات المتحدة لسلاح الجيش المصري وسعي السياسة المصرية الدفاعية على تنويع مصادر السلاح، خصوصا حين تتحفّظ واشنطن عن تزويد مصر بأسلحة من طراز متقدم.
**تُظهر المواقف الإسرائيلية قلقا من خطط وأسباب التسلّح التي لجأت إليها القاهرة لتعزيز دفاعات البلاد. وتحذّر أوساط إسرائيل من “أخطار” مصرية تقف وراء وجودها في قائمة المواقع العشر الدولية الأولى للدول المشترية للأسلحة على الرغم من الأزمة الاقتصادية في البلاد.
**تعتبر الولايات المتحدة أن لتمسكها بالتعاون العسكري مع مصر، لا سيما في تزوير القاهرة بالسلاح، أسبابا سياسية تتعلق يأمن حليف مثل مصر وضرورة مواءمة مستواه التسليحي مع مستوى الحلفاء الآخرين، وأسبابا اقتصادية هدفها قطع الطريق على منافسة من الدول المصدرة الأخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.