مؤتمر حزب العمال البريطاني:   على خطى المحافظين، دعم ثابت لإسرائيل

حمزة علي، مركز تقدم للسياسات
ثمة مفارقة غريبة في حزب العمال البريطاني تتمثل في ان قرارات المؤتمر العام للحزب هي بمثابة توجيهات ودليل عمل للقيادة السياسية لكنها ليست بالضرورة ملزمة. ورغم الأغلبية في المؤتمر التي تطالب بوقف الحرب على غزة ووقف تصدير السلاح لإسرائيل الا ان المواقف الرسمية للحزب ستبقي على الدعم الثابت لإسرائيل، تماماً كما حكومة المحافظين السابقة.
مؤشرات محاولات كتم الاصوات الداعية بوقف الحرب على غزة:
– منعت إدارة المؤتمر المنعقد في مدينة ليفربول العمالية كافة المتداخلين أعضاء المؤتمر من استخدام كلمتي “الإبادة الجماعية” و”الفصل العنصري”. في المداخلات وفي ورش العمل على هامش المؤتمر التي يقيمها أعضاء من الجماعات المؤيدة للفلسطينيين، وتم إزالة تلك العبارات من وثائق المؤتمر.
– في ورشة نقاشية بعنوان برعاية شركة “نورثروب غرومان”، وهي شركة تزود الجيش الإسرائيلي بالأسلحة وأنظمة الصواريخ متهمة بإنها تستخدم ضد المدنيين الفلسطينيين، خلت الندوة تماما من أي إدانة قاطعة للجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.
– خلال خطاب المستشارة راشيل ريف، قاطعها أحد الحضور وتساءل عن سبب استمرار حزب العمال في تأييد بيع الأسلحة لإسرائيل. على الفور تدخل أمن المؤتمر وتم اصطحابه بعنف إلى خارج القاعة، عقبت المستشارة بعدها بالقول “لقد تغير حزب العمال، نحن لسنا حزب احتجاج”.
– عقد بعض المحللين مقارنة مع مؤتمر حزب العمال لعام 2018، عندما كان جيريمي كوربين زعيما للحزب، كانت قاعة المؤتمر عبارة عن بحر من أعلام فلسطينية، وأقر المؤتمر في حينه اقتراحا يطالب بالتعليق الكامل لجميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل والالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية.
– أوضح وزير الخارجية ديفيد لامي في المؤتمر أنه سيكون من “الخطأ” تعليق جميع مبيعات الأسلحة لإسرائيل. وأن الحكومة لم تعلق سوى 30 ترخيصًا لتصدير الأسلحة، أي أقل من 10% من إجمالي تراخيص التصدير لإسرائيل. قال لامي في خطابه”لا أعتقد أنه سيكون من الصواب تمامًا تعليق التراخيص، التي يمكن للإسرائيليين استخدامها ضد الحوثيين في اليمن، والتي قد تحتاج إسرائيل إلى استخدامها فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها”.
– حاول النشطاء في المؤتمر أيضًا أمام وزير التجارة، جوناثان رينولدز، المطالبة دون جدوى بضرورة تعليق صفقات السلاح الحالية مع إسرائيل وإعادة التفكير في خططها للتوقيع على اتفاقية جديدة. وقال المحتجون ،إن هذه الخطوة ضرورية في ضوء أمر محكمة العدل الدولية لجميع الدول بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي.
– ولتوضيح الدعم القوي لإسرائيل الذي يسعى حزب العمال إلى تنميته واستدامته كموقف ثابت للحزب ، تم دعوة زعيم حزب العمل الإسرائيلي يائير غولان لحضور المؤتمر. وفي بيان نشرته صحيفة هآرتس، قال غولان إن “بريطانيا تتفهم الوضع السياسي والأمني المعقد لإسرائيل”، مضيفًا أنه عقد “اجتماعًا جيدًا للغاية” مع وزير الخارجية ديفيد لامي، قبل أن يضيف “لقد ناقشنا الشروط اللازمة لإزالة القيود المفروضة من قبل الحكومة البريطانية بشأن تصدير الأسلحة”.
– صحيفة الغارديان نشرت موقفا لجماعات حقوق الإنسان والقانون وقعت عليه 15 منظمة بريطانية، أعربت في بيان لها عن “خيبة أملها العميقة” إزاء امتناع المملكة المتحدة عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دعا إلى تنفيذ الحكم الصادر في يوليو/تموز عن محكمة العدل الدولية، حول لا شرعية الاحتلال للأراضي الفلسطينية . وتم تمرير القرار في الجمعية العامة بأغلبية 124 صوتًا مقابل 14 صوتًا، وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت الى جانب 45 دولة.
– من المؤشرات الأخرى على تحولات حزب العمال ضد حالة الاجماع داخل المؤتمر والحزب واستمرار نهج حكومة المحافظين التي توصف باليمينية، حيث تظهر الاستطلاعات أن ما لا يقل عن 75% من أعضاء الحزب يؤيدون وقف إطلاق النار وحظر الأسلحة الكامل لإسرائيل. وبعيداً موقف أعضاء الحزب، أظهر استطلاع جديد أجرته مؤسسة “يو غوف” شبه الرسمية في سبتمبر/أيلول أن تأييد إسرائيل في بريطانيا انخفض إلى 17% فقط، حيث يصف ما لا يقل عن 66% من الجمهور البريطاني إسرائيل بعبارات سلبية.
– أشار أحد المعلقين في الغارديان إلى أن حزب العمل يتجاهل عمدا ليس فقط أعضاءه، بل الجمهور الأوسع عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
– مقارنة مع الأحزاب الأخرى، جاء موقف جديد من حزب الديمقراطيين الليبراليين ثالث اكبر الأحزاب البريطانية، حيث استغل الأعضاء مؤتمرهم لطرح دعم التعليق الفوري لجميع صادرات الأسلحة إلى إسرائيل للتصويت، وعلى اقتراح اخر يطالب حكومة المملكة المتحدة بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين، والضغط من أجل وضع حد “للاعتقال الإداري التعسفي للفلسطينيين من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي”. جاء هذا الاقتراح من البرلمانية ليلى موران، المتحدثة باسم الشؤون الخارجية للحزب وأول نائبة في البرلمان البريطاني من أصل فلسطيني. وعبرت كلير كيب، عضو المؤتمر عن ذلك بالقول، إن الاقتراح لم يذهب إلى حد كاف في الاعتراف بحجم الظلم الذي يواجهه الفلسطينيون. وقالت أمام المؤتمر: “أن هذه المظالم تعرف على نطاق واسع بأنها جرائم حرب إبادة جماعية ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والجيش الإسرائيلي والمستوطنون العنيفون في الضفة الغربية المحتلة بشكل غير قانوني”.
– في وقت سابق من هذا الشهر، مرر حزب الخضر في إنجلترا وويلز اقتراحًا وصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها “إبادة جماعية” ووصف إسرائيل بأنها دولة “فصل عنصري”.
 الخلاصة:
• رغم أصوات غالبية أعضاء مؤتمر حزب العمال وفي الراي العام البريطاني الا ان مواقف الحزب والحكومة التي يقودها، لا يشير إلى تحول في الموقف من إسرائيل. وتشير الاقتراحات المبكرة للسياسة القادمة إلى تواصل الدعم الكامل لإسرائيل بدعوى الحق في الدفاع عن النفس وتجاهل الدعوات المطالبة بسياسات واضحة لتحقيق العدالة للفلسطينيين.
• من الواضح ورغم ان سياسة الحزب والحكومة لا تحظى بشعبية، الا أن ترسيخ التحول نحو اليمين بات توجها ثابتا ، اعتقادا من القيادة المتنفذة في الحزب ان ذلك يمكنهم من استقطاب القاعدة الشعبية للمحافظين الذين تراجعوا بنحو ستة ملايين صوت في الانتخابات الأخيرة ، وبعض القيادات تقول بان هذه السياسة اليمنية او التوجه نحو الوسط ، لا يتعلق فقط بالموقف من إسرائيل والسياسة الخارجية الملتحقة بواشنطن في الموقف من حرب أوكرانيا، بل لمنع صعود اليمين المتطرف الذي يقوده نايجل فاراج وحصل على أربعة ملايين صوت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة .
• بعض المحللين يصفون التغيير الحاصل على هوية حزب العمال مغامرة كبرى ، خاصة وان الحزب تراجعت كتلته التصويتية نحو أربعة ملايين صوت، لصالح احزاب اكثر جذرية في برنامجها الاقتصادي والاجتماعي وفي مقدمتها حزب الخضر وتيار جيرمي كوربين الزعيم السابق لحزب العمال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.