حرب الاستنزاف الإسرائيلية والسعي الى الحسم بالتقويض

تقدير موقف، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
ثمة تقدير وازن في إسرائيلي يرى ان حرب الاستنزاف مع حزب الله وجبهة الاسناد، وفرت الامكانية لإنجازات تكتيكية بينما في المستوى الاستراتيجي، لا انتصار حاسما في الأفق. وفقا لهذا التقدير، نجحت اسرائيل في استهداف مئات المقاتلين من حزب الله بتفجيرات وسائل الاتصال، وباغتيال القيادي العسكري فؤاد شكر وصولا الى قائد وحدة العمليات ابراهيم عقيل مفاصل مهمة في منظومته الحربية. ووفقا للتصريحات الاسرائيلية فإنها ستواصل هذا النهج وسيكون تصعيدا، باعتبار انها اخفقت استراتيجيا حتى الان، وهذا ينعكس في تآكل مفهوم الردع وفي انها لم تحقق اي هدف من اهداف الحرب المركزية المعلنة، بل حققت اهدافا بديلة، وفي الجبهة الشمالية لم تتمكن من اعادة سكان الشمال الى بلداتهم بعد نزوح نحو عام ولم تتمكن من توفير الامن والامان وكل ارتدادات هذا الامر على التواجد السكاني وعلى الحياة الاقتصادية والحالة المعنوية.
– رغم تقديرات الموقف المتضاربة إعلاميا والاعلان عن انتقال ثقل ومركز العمليات للشمال، الا ان تحليلات هامة رات في هذا الانتقال الحربي هو مسعى لخوض حرب اختيارية كان بالإمكان تجنبها لو أبرمت حكومة نتنياهو الصفقة في غزة، بأيٍ من صيغها التي طرحت في الأشهر والاسابيع الاخيرة، ولو حدث ذلك لكانت المنطقة بمعظم جبهاتها تتجه نحو التبريد والتهدئة والحلول السياسية. بينما موقف غالنت والجيش ومعهم نتنياهو المتردد، مسنودين من غانتس وليبرمان وساعر، هو فك الارتباط بين الجبهات وانهاء استراتيجية جبهات الاسناد، وتسوية القضية الحدودية مع لبنان باعتماد المسار العسكري لا غير. يحظى هذا التوجه بدعم شعبي واسع باستثناء الصوت الصادر عن عائلات الاسرى والمحتجزين في غزة وحراكهم.
– في اعقاب معركة “سيف القدس” عام 2021 وما أطلقت عليه اسرائيل تعدد الجبهات الفلسطينية، قامت المؤسسة الامنية بتسريع وتكثيف عملية بلورة استراتيجية الحرب الهجينة، والقائمة على تقويض العدو من داخله قبل ان تبلغ الامور حد المعركة الفاصلة. هذا المنحى يتساوق ايضا مع سياسية الاغتيالات، الهادفة الى تقويض العدو وسلسلة القيادة والامدادات والقدرة على ادارة مواجهة عسكرية، والهادفة أيضا الى إحداث تغيير جوهري داخل التنظيم المعادي.
– جاءت العملية الجارية والمتدحرجة من تفجير وسائل التواصل والاغتيالات النوعية في إطار السعي الى تقويض حزب الله من داخله وفي إطار الفرضية الاسرائيلية بأن الحرب هي الخيار الوحيد القائم لتغيير الوضع على الحدود الشمالية. كما يوضح عدد الضحايا المدنيين بأن الاستهداف هو لكل الشعب اللبناني ودونما اية محاذير، بل رهانا اسرائيليا على ان هذا الاستهداف سيدفع لبنان حكومة وشعبا الى التساؤل حول مجمل وأحقية جدوى جبهة اسناد غزة . في هذا النموذج من الاستهداف تكون اسرائيل قد نقلت ذهنية استهداف المدنيين والبيئة السكانية من غزة الى لبنان.
– تطرقت وسائل الاعلام الاسرائيلية مؤخرا الى احتمالات ان تسعى اسرائيل الى شن عدوان بري على حزب الله في لبنان من الاراضي السورية المحتلة، وذلك بتكثيف الغارات عليها وعمليات الكوماندوس ضمن ما اطلق عليه الاعلام “الخنق” او “منع الاكسجين” اي اية امدادات حالية او مستقبلية لحزب الله وفصله عن “تعدد الجبهات” او “الحرب بالوكالة”.
– في المقابل شككت اصوات اسرائيلية بمجمل التصعيد على الجبهة اللبنانية ومخاطر حرب اقليمية، ومن هذه الاصوات المحلل العسكري والاستراتيجي في هارتس تسفي بارئيل، الذي يرى انه بعد النشوة التي تلي اية ضربة اسرائيلية يأتي القلق ويتبعه الاسئلة الصعبة فيما إذا تغير الوضع بشكل استراتيجي وهل بالإمكان اعادة النازحين الإسرائيليين الى بلداتهم ، وهل اسرائيل قادرة على الخوض في حرب لا تسيطر على حيثياتها ولا على نتائجها وعواقبها، فيما السؤال الأهم، هل اسرائيل قادرة بالخيار العسكري وحده تحقيق اهداف الحرب.
– فلسطينياً وحيت تستعر الجبهة الشمالية واحتمالات تمددها إقليميا بالحرب الشاملة، تصبح غزة ومعها الضفة على هامش الحدث الحربي الاكبر، وتغدو وكأنها الساحة الخلفية لهذه الحرب، ومتاحة لأية استباحة اسرائيلية. في المقابل قد ينحو نتنياهو نحو ابرام صفقةٍ ما في غزة من اجل الكسب السياسي داخليا ودوليا.
– في الداخل الإسرائيلي، يبدو نتنياهو هو الكاسب الاكبر من الحالة القائمة، وهو المعني بالإبقاء عليها تحت مسمى التصعيد الحربي الاقصى دون سقف الحرب الشاملة وسعيا الى فرض “شروط تسوية”  اسرائيلية. كما ان الجيش يشكل قوة ضاغطة سياسيا نحو الحرب الشاملة.
في الخلاصة:
 • بالإمكان تحديد معالم المرحلة الحالية من التصعيد الحربي على الجبهة الشمالية بأن هذا النسق من العمل الحربي المكثف دون الاجتياح البري ، سوف يستمر ويتواصل.
• تخشى اسرائيل رد حزب الله ويعيد الاعلام الاسرائيلي بناء على تقديرات أمنية مسألة مسيّرة “الهدهد” والمواقع التي قام بتصويرها ان تكون اهدافا استراتيجية لحزب الله، ناهيك عن الصواريخ بعيدة المدى التي تغطي كافة المناطق والمرافق الحيوية الاسرائيلية.
• تسعى حكومة نتنياهو الى انهاء مرحلة حرب الاستنزاف والى مواصلة الضربات العسكرية المؤسسة على الاستخبارات الذاتية ويبدو الامريكية ايضا في استراتيجية “التقويض من الداخل” وذلك ببث روح الفزع والترويع كما في تفجيرات الهواتف، وفي استهداف سلسلة القيادة العسكرية لحزب الله وتفكيكها مستندة على تفوقها الاستخباراتي وسلاح الطيران.
• تسعى الخطة الاسرائيلية وفقا لما يرشح للإعلام الى اعتماد المبدأ الذي اعتمدته في قطاع غزة وهو تحويل مناطق كاملة في جنوب لبنان وحتى الضاحية الى مناطق غير قابلة للحياة، وذلك بديلا عن منطقة عازلة أمنية لا تستطيع انجازها لحد الان. يؤكد على ذلك تصريحات بايدن الرابطة بين النزوح في اسرائيل والنزوح في لبنان، وداعيا الى حل يضمن عودة النازحين من الطرفين.
• هدف اسرائيلي اساسي هو تفكيك تعدد الجبهات ووحدة الساحات، حتى لو اضطرت الى تهديد الامن القومي الاقليمي والعربي وحصريا تجاه لبنان وسوريا كدولتين.
• المؤسسة الاسرائيلية الرسمية والاعلامية والراي العام قلقون من عدم رد حزب الله لحد الان، هناك من يعزو ذلك الى حالة ارتباك بينما الراي الاوسع هو ترقب ضربات نوعية وبأدوات لم تستخدم لحد الان، كما تعترف هذا التقديرات بأن لدى الاخير بنك اهداف واسع ومتنوع وقدرات لم تظهر بعد.
• في المحصلة لا تزال التطورات على الجبهة الشمالية مع لبنان سيالة وبعيدة عن ان تكون محسومة وقد تدفع حو حرب شاملة لكن ليس بالضرورة وحصريا، لأنها حرب غير قابلة للضبط ولا يمكن ضمان نتائجها واسقاطاتها، ووفقا للتقديرات سوف تنتهي بالعودة الى التفاوض والحل الدبلوماسي.
• فلسطينيا، فإن حجب الانظار والاهتمام عن غزة وعن الضفة سوف يتواصل ما دامت اسرائيل تنجح في نقل صدارة الحرب الى الجبهة الشمالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.