قمّة بن زايد-بايدن: إدارة الخلاف في عصر التحوّلات

د. محمد قواص، مركز تقدم للسياسات

ورقة سياسات

ملخص تنفيذي:

تأتي الزيارة في لحظة حرجة في الشرق الأوسط، ومستقبل حرب أوكرانيا، ورهانات إدارة بايدن على فوز المرشحةالديمقراطية.

–   بات التوق للتعاون والحفاظ على علاقات التحالف بين البلدين يقوم على قاعدة نهائيةِ توجّه الإمارات نحو تعزيز العلاقاتمع روسيا والصين ودول الشرق.

–   لا تخفي ملفات التقاطع والتحالف والتعاون بين البلدين خلافات تطال ملفات مهمة بالنسبة للإمارات في السياسة والأمنوالرؤى الجيوستراتيجية.

تشدد الإمارات قبل أيام من الزيارة على رفضها الانخراط في أي خطط بعد الحرب في غزّة لا تضمن قيام دولة فلسطينية،بما يعني الحاجة إلى جدّية دوليةأميركية في الدفع بحلّ نهائي للسلم في الشرق الأوسط.

تقديم:

يهتم المراقبون بما يمكن أن ينتج عن الزيارة التي يقوم بها رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، إلى واشنطن في 23 سبتمبر 2024. فالزيارة لافتة في الشكل، لكونها الأولى من نوعها منذ توليه منصب الرئاسة، في 14 مايو 2022، وتهدف إلىتعزيز التعاون بين البلدين في قطاعات متعدّدة، وفق ما يصدر عن البيانات الرسمية. والزيارة لافتة في المضمون، بالنظر إلىحراجة الوضع الدولي، وطبيعة نقاط الخلاف والتقاطع في ملفات إقليمية ودولية متعدّدة.

وبناء على حساسية العلاقة بينالحليفين، فإن الأعين ستكون مشدودة على تفاصيل لقاءات الرئيس الإماراتي بالرئيسالأميركي، جو بايدن، ونائبته، كامالا هاريس، فضلاً عن لقاءات مع القادة الرئيسيين بالكونغرس، ومع رؤساء كبرى الشركاتالأمريكية.

الأجندات والتوقيت:

يعتبر سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، أن الزيارةتاريخية (..) وتشكل مرحلة مهمة في العلاقة بين البلدين (..) وستركز على علاقة الشراكة التي تمتد لخمسة عقود، وتشمل مجالات التجارة والاستثمار والأمن“. وأشار إلى أندولةالإمارات تحتضن أكثر من 1500 شركة أمريكية، بالإضافة إلى أكثر من 4.3 مليارات دولار من الاستثمارات الأمريكيةالمباشرة، ونتطلع إلى استكشاف سبل جديدة للتعاون وتعزيز علاقاتنا التجارية الثنائية“.

غير أن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة تأتي في لحظة سياسية تأخذ بالاعتبار توقيتا متعدد الأبعاد:

أولا: توقيت شرق أوسطي، بعد أن تمددت الحرب في قطاع غزّة نحو لبنان، مع ما يحمله هذا التطوّر من مخاطر الحربالشاملة، وما يفرضه من تحرّك دولي وإقليمي وعربي لإيجاد المخارج لوقف مسلسل التدهوّر الخطير.

ثانيا: توقيت دولي، متمثّل في تصاعد لافت للحرب في أوكرانيا، وسط حديث عن احتمال رفع الفيتو الأميركي عن استخدامكييف للصواريخ الغربية الطويلة الأمد لضرب العمق الروسي، مقابل تهديدات روسية بإدخال أسلحة دمار شامل وتحذيراتمن تحوّل الحرب إلى صراع بين روسيا ودولالناتو“. ويلعب هذا العامل أهمية في الزيارة بسبب ما تتمتع به الإمارات منعلاقات مع طرفيّ الصراع ونجاح وساطاتها سابقا في صفقات تبادل الأسرى بين الطرفين.

ثالثا: توقيت سياسي أميركي رفيع المستوى في الولايات المتحدة، متمثل بحملة الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 5 نوفمبر 2024. وطالما أن البيت الأبيض وصف الزيارة بالتاريخية فهذا يعني أيضا أن الإدارة الديمقراطية تعوّل على قمّةالرئيسين من أجل الخروج بخلاصات نجاح وإنجازات لافتة يمكن استثمارها لتحسين حظوظ مرشحة الحزب الديمقراطي،نائبة الرئيس، كامالا هاريس.

الملفات الصعبة:

على الرغم مما صدر عن الإمارات والولايات المتحدة من بيانات تمهيدية للزيارة تتحدث عما هو مشترك وواعد في علاقاتالبلدين، والتركيز على محادثات تشمل القضايا الاقتصادية والشراكة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددةوالذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من وصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الزيارةبأنهاتاريخية، غير أن المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، أشار إلى مسألة الخلافات التي تحدثبين الحلفاء.

وقد أشارت تقارير خلال السنوات الأخيرة إلى تراكم ملفات الخلاف وظواهر التوتّر التي بدت نافرة على الرغم من سعيّالبلدين إلى ضبط ما هو تباين داخل الغرف المغلقة. وقد سعى الرئيس الأميركي إلى التودّد إلى الرئيس الإماراتي وتخفيفالتوتّر بين البلدين حين وجه، أثناء قمّة العشرين في نيودلهي، في سبتمبر 2023، شكرا خاصا إلى الأمير محمد بن زايدلكونه صاحب الفكرة التي تمّ الإعلان عنها حينها عن مشروعات الممر الاقتصادي وشبكة السكك الحديدية التي تهدف إلىربط الهند بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا.

وقد شابت علاقات البلدين في عهد الرئيس بايدن برودة أقرب إلى التوتر بسبب سياسات في ملفات إقليمية خطيرة مثلالوضع في اليمن، وتطوّرات الصراع منذ بدء الحرب في غزة، انتهاء بحالة الارتجال التي تعتمدها واشنطن في مقاربةاستراتيجياتها في الشرق الأوسط وطبيعة علاقاتها مع دول الخليج عامة والإمارات خاصة. ومن أبرز قضايا الخلاف القضاياالتالية:

اليمن: تطال الخلافات خيارات إدارة بايدن في التعامل مع ملف اليمن، لاسيما ما أظهرته من استخفاف في مصالح ووجهةنظر حلفائها. وتعتبر الإمارات أن هناك ارتجالا وصبيانية في سياسة واشنطن اليمنية التي اتّخذت مسالك انفعالية، ابتداءمن رفع جماعة الحوثي عن لوائح الإرهاب في بداية عهد بايدن وأخد مسافة من مواقف دول الخليج من المسألة اليمنية، انتهاءبالذهاب إلى قيادة ضربات عسكرية ضد هذه الجماعة في اليمن منذ 12 يناير 2024.

الأمن: رغم اعتذار قدمه وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، في لقاء جمعه بالشيخ محمد بن زايد، في المغرب فيمارس 2022، بسبب تأخر الولايات المتحدة بالرد على الضربات التي تعرّضت لها الإمارات في 17 يناير 2022، إلا أن طبيعةالعلاقات بين البلدين تأثّرت وانحدرت إلى مستوى عدم الثقة بفهم واشنطن لمقتضيات العلاقة مع الحلفاء والتزاماتالعلاقاتالاستراتيجية“.

وكان واضحاً أن عدم الثقة عامل يقف وراء المقاربات الجديدة للإمارات في قرارها، في مايو 2024، عدم السماح للمقاتلاتالأميركية باستخدام القواعد الجوية الإماراتية في عمليات استهداف جماعة الحوثي في اليمن أو أي فصائل تابعة لإيران فيالمنطقة، ناهيك من رفض الإمارات أن تكون جزءا من تحالفحارس الازدهارالذي تقوده الولايات المتحدة للدفاع عن أمنالملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب منذ 18 ديسمبر 2023.

التسلّح: تعد صفقة مقاتلات F-35 الاميركية للإمارات إحدى أهم ملفات الريبة الإماراتية من العلاقة مع الولايات المتحدة. وكان الاتفاق بشأن الصفقة وقع في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وتضمن شراء 50 طائرة مقاتلة هجومية منهذا الطراز قبل أن توقف إدارة بايدن الصفقة مؤقتا، وإخضاعها للمراجعة.

وفيما رأى مراقبون أن توقف الصفقة يعود إلى نكايات داخلية انتقامية من إدارة ترامب، وتحدثت تقارير أخرى عن قلقواشنطن من تأثير الصفقة على مسألة الحفاظ على تفوّق إسرائيل الاستراتيجي، أشارت تسريبات أميركية أخرى عن مخاوفواشنطن من العلاقة الوثيقة بين الإمارات والصين، مشيرة إلى أن أكثر تلك المخاوف إلحاحا هو استخدام الإمارات تكنولوجياالجيل الخامس للاتصالات من شركة هواوي الصينية وفقا لاتفاق وقعه الطرفان عام 2019. وتخشى الولايات المتحدة من أنإنشاء شبكة الهاتف المحمولالتي تضم مئات الأبراج الخلويةبالقرب من قواعد مقاتلات F-35 قد يساعد الصين على تعقبالمعلومات المتعلقة بالطائرات بسرية وجمعها.

وفيما ما زالت الإدارة الأميركية توحي بالتزامها بتنفيد الصفقة والتغلّب على معوقات قيل إنها صادرة عن الكونغرس، إلا أنالأمر بقيّ ضبابيا إلى درجة أن تقارير أميركية تحدثت عن احتمال انسحاب الإمارات من الصفقة ورفض الذرائع والشروطالأميركيةالمرهقة“.

السلام: يكمن أحد أهم ملفات الخلاف في شلل الأدارة الأميركية حيال آفاق السلام في الشرق الأوسط وعجزها عن وقفتدهوّر الوضع الأمني في الشرق الأوسط منذ ما قبل عمليةطوفان الأقصىوالحرب الإسرائيلية على قطاع عزّة. وتعتبرالإمارات أنها قامت بخطوات كبرى من خلالالاتفاقات الإبراهيمية، التي أبرمت في 11 سبتمبر 2020، من دون أنتستثمر إدارة بايدن جهودا جدية للتوصل إلى حلّ شامل ينهي الصراع في الشرق الأوسط. ووفق هذا التقييم، فإن الإماراتعبّرت بحزم عن رفضها لأن تكون جزءا من أي خطط تتعلق باليوم التالي للحرب على غزة من دون مسار سياسي يؤدي إلىقيام دولة فلسطينية.

وكان وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبد الله بن زايد قد استنكر في مايو 2024، تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي،بنيامين نتنياهو، حول دعوة الإمارات للمشاركة في إدارة مدنية لقطاع غزة، مشدداً على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتمتعبأي صفة شرعية تخوله باتخاذ هذه الخطوة، ومؤكداً رفض الدولة الانجرار خلف أي مخطط يرمي لتوفير الغطاء للوجودالإسرائيلي في قطاع غزة. وقد جدد الوزير الإماراتي، في 15 سبتمبر الجاري، أي قبل أسبوع من زيارة الشيخ محمد بنزايد إلى واشنطن، التأكيد أنالإمارات غير مستعدة لدعم اليوم التالي من الحرب في غزة دون قيام دولة فلسطينية“. ويأتيالموقف الذي أعلنه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في 18 سبتمبر 2024، بعدم إقامة بلاده علاقات معإسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية، ليعزّز موقف الرئيس الإماراتي في مداولاته في واشنطن بشأن هذا الملف.

الخروج من الحصرية إلى التعدد:

تعبر زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة عن تمسّك دولة الإمارات بالعلاقة الاستراتيجية مع الولايات على الرغممن توسّع السياسة الخارجية الإماراتية لتطال علاقات متعددة شملت دولا أساسية مثل الصين وروسيا والهند، ناهيك منانضمامها، ابتداء من يناير 2024 إلى مجموعةبريكس“. الأمر يعني أن الإمارات باتت تمتلك هامش مناورة واسع بصفتهادولة تسعى لصيانة مصالحها والدفاع عنها بأساليب خلاقة وبقدرة على المناورة الرشيقة داخل المشهد الدولي.

وفيما تقوم السياسة الخارجية الأميركية على خدمة أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية لمواجهةالخطر الصينيوالحدّمن صعوده، فإن الولايات المتحدة تأخذ بعين الاعتبار والقلق تمدد الأداء الصيني صوّب الشرق الأوسط وارتفاع مستوىعلاقاتها مع الدول المنطقة، بما في ذلك الإمارات. ويهمّ واشنطن أن تعيد قراءة سياساتها الخارجية في المنطقة وفق هذاالعامل، آخذة بالحسبان قدرة الإمارات على كسر احتكار العلاقة مع واشنطن والاستفادة من موارد في السياسة والاقتصادوالأمن توفّرها دوائر دولية أخرى داخل النظام الدولي المتحوّل.

والواضح أن زيارة الرئيس الإماراتي تقوم على أوراق قوة ترتبط بالسياسة الخارجية التي اعتمدتها الإمارات بحيث باتت رقمامؤثرا داخل ملفات ساخنة في العالم، وترتبط بتطوّر نفوذ وعلاقات البلدين داخل الدوائر الجيوستراتيجية في العالم، وترتبطبموقع الإمارات في سوق الطاقة الأحفورية وتوسّعها في مجالات الطاقة الخضراء والبديلة.

خلاصة واستنتاجات.

**حرصت واشنطن على وصف زيارة رئيس دولة الإمارات بـالتاريخية، ما يعزز الاعتقاد بحاجة إدارة الرئيس بايدن ترميمعلاقاتها مع الإمارات وإعادة تعزيز حضورها في المنطقة مقابل تطوّر علاقات الإمارات والمنطقة مع روسيا والصين.

**تعوّل الإدارة الديمقراطية على إنجاح الزيارة والتعامل مع التصدعات التي شابت العلاقة مع الإمارات بسبب خلافاتتتعلّق بملفات استراتيجية مهمة بالنسبة للإمارات، ما يمنح الرئيس الإماراتي أوراق قوة لانتزاع مكتسبات وتبديد الضبابيةعن بعض ملفات الخلاف.

**تعبر رسالة وزير الخارجية الإماراتي قبل أيام من زيارة رئيس الدولة إلى واشنطن بشأنرفض الانخراط في خطط اليومالتالي لحرب غزّة لا يضمن قيام دولة فلسطينيةعن موقف هدفه انتزاع تعهدات أميركية في هذا الصدد. ويأتي موقف وليالعهد السعودي في نفس الاتجاه لتعزيز توجه يهدد الاتفاقات الإبراهيمية.

**تعوّل الإدارة الديمقراطية على تسجيل منجز يُحسب لها في العلاقات مع الإمارات داخل حملة المرشحة، كامالا هاريس،في الانتخابات الرئاسية، كما نجاح الإدارة في الدفاع عن علاقة جيدة مع حليف كالإمارات من شأنه سحب هذه الورقة منالمنافس الجمهوري، دونالد ترامب.

**يقوم موقف الإمارات على إقامة علاقات سوية مع الولايات المتحدة تحترم أولويات أبو ظبي في الأمن والطاقة والرؤىالجيوستراتيجية، وعلى قاعدة تمسّك الإمارات بدبلوماسية انفتاح على الصين وروسيا وانضمام إلى مجموعةبريكسبصفتها خيارات نهائية وليست مرحلية مؤقتة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.