قراءة في المشهد الإسرائيلي 23/9/2024

 أمير مخول، مركز تقدم للسياسات

الحرب في السياسة الاسرائيلية الداخلية: الرابحون والخاسرون والقلقون

1. نتنياهو المستفيد الاول:

اول المستفيدين لغاية الان من الوضع المستجد بعد عمليات تفجير اجهزة الاتصال والاغتيالات في لبنان، هو رئيس الحكومة نتنياهو. وهناك قناعة اسرائيلية بأن “الانتقال من الدفاع الى الهجوم” على الجبهة اللبنانية والانجازات التي حققتها اسرائيل، قد “وفرت الفرصة الأمثل لتقويض حزب الله” وفقا للتقديرات وتصريحات القيادة السياسية والعسكرية. وأنها تتيح دفع حزب الله الى الوراء في الداخل اللبناني ومن شأنها ان تتيح عودة نازحي الشمال الاسرائيليين الى بلداتهم وبيوتهم. الا ان شعبية نتنياهو المتسعة ووضعيته السياسية المريحة بالنسبة له بعد تخلصه من معظم الضغوطات الخارجية والداخلية، قد تنقلب رأسا على عقب في حال الاخفاق في الحرب على لبنان سواء فيما يتعلق بتحقيق الاهداف او في الثمن الاسرائيلي والتداعيات على الجبهة الداخلية والعمق الاسرائيلي، او في حال تطورات في الحرب على غزة تعيد تسليط الاضواء عليها.

التأييد الذي يحظى به نتنياهو في ادارة الحرب مع حزب الله مرهون بالتطورات وهل فعلا ستنجح اسرائيل في تحقيق الهدف، بالإضافة الى تفادي حربا شاملة غير محسوبة العواقب والتي يدفع لها الجيش ووزيره غالنت بينما يبدو ان نتنياهو متحفظ عليها. لقد نجح الاخير وحكومته، وتتبعه المعارضة، في اقناع الراي العام الاسرائيلي بأن الحرب على الحدود الشمالية هي حرب ضد خطر وجودي يتمثل بـ”طوق النار الايراني” الذي تريد اسرائيل تفكيكه. من المفارقات ان نسبة المؤيدين للحرب تزيد عن 60% وهي تضاهي نسبة مؤيدي الصفقة في غزة والذين يعارضون سياسة الحكومة بصددها.

يتمحور النقاش الدائر اسرائيليا حول المآلات والى اين تتجه الامور، هل تتجه نحو الحرب الشاملة وهل تضمن مثل هذه الحرب تحقيق الهدف الذي ضمنته الحكومة رسميا في اهداف الحرب، والقاضي بإعادة سكان الشمال النازحين الى بلداتهم وبيوتهم ومرافقهم؛ وهل الحرب الشاملة هي خيار حقيقي وهل بإمكان اسرائيل، المتفوقة عسكريا، تلافي اسقاطاتها ودفع ثمن تداعياتها بما فيه ادخال الجبهة الداخلية برمتها في إطار الحرب بعد عام من الحرب على غزة والتي لم تحقق اهدافها المعلنة.

نقاش اخر يتحدى توجه الحكومة والجيش قائم على فرضية ان اسرائيل تخوض مجددا حربا من دون استراتيجية واضحة، مما يفتح من جديد مسألة الاخفاقات في ادارة الحرب على غزة من دون أهدف واضحة، في حين ان الاهداف الواضحة منها بصدد اعادة الاسرى والمحتجزين وتقويض حماس واعادة الامن والامان لسكان الجنوب الاسرائيليين بعد اعادتهم لبلداتهم، كلها لم تكن قابلة للتحقيق بحصر الحل بالوسائل العسكرية الحربية فقط. في هذا السياق يعود النقاش الى الوضع في غزة، فلو ابرمت اسرائيل الصفقة ولم تعوّقها حكومة نتنياهو لكانت كل الجبهات تسير في منحى التهدئة. كما ان اية حرب شاملة سوف تفضي الى التفاوض والتسوية مع حزب الله ولبنان كدولة، اي العودة الى الخيار الدبلوماسي، وهو ما يتوافق مع رؤية الادارة الامريكية، لكنها غير معنية بالضغط على نتنياهو للقبول بهذه التقديرات. في المقابل يدّعي نتنياهو وغالنت والجيش وكذلك المعارضة المركزية بأنه لا يمكن الاكتفاء بالحرب على غزة، بل باتت مسألة تفكيك وحدة الجبهات وجبهات الاسناد حاسمة ومصيرية وفقا لهم. 

2. غالنت المستفيد بعد نتنياهو:

بعد نتنياهو يعتبر وزير الحرب يواف غالنت من اكثر المستفيدين سياسيا من المرحلة الجديدة من الحرب على الجبهة اللبنانية، وقد عزز حضوره مسنودا بقوة الجيش واثره على الحالة السياسية. الانجاز السياسي الحزبي الاهم بالنسبة له هو التحرر من مساعي نتنياهو التي اشغلت الراي العام بصدد نواياه بإقالته وتعيين غدعونساعر وزيرا للأمن. كما في الحرب على غزة من المتوقع ان يستغل نتنياهو اية هفوات او اخفاقات من اجل احالة المسؤولية على غالنت والجيش والتخلص من غالنت بإقالته، وقد يكون البديل هو ساعر بعد ان صادر منه صلاحية تعيين قائد الاركان الجديد وحوّلها الى الحكومة كهيئة بينما هي من صلاحيات وزير الامن. ويشكل تعيين رئيس الاركان مفتاحا اساسيا في تحديد هوية الجيش وقياداته المستقبلية وتندرج في سياق الصراع العميق حول صناعة النخب الاسرائيلية. حاليا وما دام التصعيد الحربي قائما يبدو ان مكانة غالنت ثابتة.

3. ساعر واحتمالية خسارة الرهانات:

وجد ساعر بالتصعيد الحربي بين اسرائيل وحزب الله فرصة له كي يبدو هو من تَنازَل عن وزارة الامن في هذا الظرف، وكي لا تعطل القلاقل السياسية على مجريات الحرب. وفقا له فإنه قام بذلك من منطلقات “المسؤولية الدولانية” لحزب “اليمين الدولاني/الرسمي” الذي أقامه. بينما تُعتبر خطوته في القراءات الاسرائيلية إنقاذا لماء الوجه بعد ان استخدمه نتنياهو اداة لإضعاف أثر بن غفير الذي يتم اقصاؤه من دوائر القرارات الامنية، وكذلك نظرا للصراعات بينه وبين الاحزاب الدينية الحريدية، والتي تهدد بقاء ائتلاف نتنياهو الحاكم. بيد أن مسألة اقالة الوزير غالنت لا تزال على جدول اعمال نتنياهو ويرفض التنازل عنها، حتى وإن لم يقم بتنفيذها. فيما ان غدعونساعر رئيس حزب “اليمين الرسمي” قد خسر رهاناته ولو مؤقتا، وهذا ما قوبل بالرضى في داخل الليكود الحاكم الذين يتخوفون من مآرب ساعر في التنافس على قيادة الليكود مستقبلا.

4. اقطاب المعارضة وهامشيتهم:

في المقابل بدأ رؤساء المعارضة لبيد وغانتس وليبرمان بالتباحث في كيفية تعامل احزابهم مع حكومة نتنياهو في الوضع الامني المتدحرج والذي قد يبلغ مستوى الحرب الشاملة. من الخيارات التي يتم تداولها اقامة حكومة وحدة قومية موسعة الى جانب نتنياهو او توفير دعم من الخارج دون الانضمام للحكومة، بما يضمن التصعيد على الجبهة اللبنانية، وبالتزامن ابرام صفقة التبادل والتهدئة في غزة. ترى المعارضة ان المسارين يخدم أحدهما الاخر اذ انه سيعيد الاسرى والمحتجزين، معتبرين ان هذا هو “الانتصار الحقيقي” في الحرب على غزة، خاصة وان اوساطا من سكان البلدات المحيطة بقطاع غزة او ما يعرف بغلاف غزة يعودون الى بلداتهم وبذلك تكتمل اهداف الحرب المعلنة للحرب على القطاع. بالإضافة إليه فإن ابرام صفقة في غزة وتصعيد حربي مع حزب الله نحو “حرب حاسمة” سيدفع نحو تحقيق خطة تفكيك وحدة الساحات واستراتيجية تعدد الجبهات. في المجمل تبدو المعارضة في مأزق ويتراجع صوتها ما دامت الحرب في الشمال تدور وفقا لوتيرتها الحالية والضبط دون التحول الى حرب شاملة بكل اسقاطات ذلك على اسرائيل ذاتها من وجهة نظر المعارضة والائتلاف.

الخيار الاخر الاكثر احتمالية لدى اقطاب المعارضة هو التموضع في خانة الداعمين لحرب اسرائيل وليس لحكومة نتنياهو، بل اقتناص الفرص التي وفقا للتقديرات لا بد ان توفرها اخفاقات كثيرة في الحرب، بعد انقشاع حالة النشوة التي سادت في اعقاب عمليات تفجير وسائل الاتصال والاغتيالات النوعية، والتي بدأت في اعقابها مرحلة القلق نتيجة تعميق ردود فعل حزب الله على التعميق الاسرائيلي في الاستهدافات في لبنان. وفيما لو حصل ذلك سيكون المسعى لإسقاط الحكومة بالتزامن مع عودة الكنيست من عطلته الصيفية والازمة شبه الدائمة التي ترافق اقرار الميزانية العامة للدولة والتي في حال لم تنجح الحكومة في اقرارها فإنها تسقط قانونيا، مع التنويه ان مسألة الميزانية هي تتويج وتأطير لكل السياسات بما فيه كل ما يتعلق بالأحزاب الدينية الحريدية من قانون التجنيد العسكري، وميزانيات المدارس الدينية وقوانين الخدمات الدينية الحاخامية في المدن الاسرائيلية والتي ليس مضمونا تمريرها.

5. ليفين والانقلاب القضائي:

من جانبه يسعى وزير القضاء ليفين الى استغلال انشداد الانظار نحو الحرب، وتكثيف مساعيه لإنجاز ما لم ينجزه بعد من الانقلاب القضائي. على الرغم من وقف الاجراءات التشريعية رسميا منذ بداية الحرب، الا ان الواقع مختلف، اذ وفر اعلان حالة الحرب قبل عام واعلان الطوارئ المدنية والادارية، والصلاحيات التي منحت لكل من وزير الامن غالنت ووزير الامن القومي بن غفير، فقد وفرت انظمة الطوارئ مجتمعة تطبيقا فعليا للانقلاب القضائي واضعاف اجهزة الرقابة وفصل السلطات، وحصريا الجهاز القضائي. وإذ اصدرت المحكمة العليا قرارا يلزم وزير القضاء ليفين بإجراء اجتماع للجنة تعيين القضاء لاختيار رئيس للمحكمة العليا الاسرائيلية وهو الموقع الشاغر منذ نحو عام، فقد قرر الوزير عدم الانصياع فعليا لقرار المحكمة والالتفاف عليه الى حين يضمن انتخاب مرشحة لرئاسة المحكمة العليا، وعمليا لإخضاع المحكمة العليا للمستوى السياسي الحاكم مما ينتهك مبدأ فصل السلطات، وتحرير ايدي الحكومة من اية رقابة او كوابح. كما ان مثل هذا التحول فيما لو تحقق للوزير، فإنه سيجعل احتمالية شطب لجنة الانتخابات المركزية لأحزاب عربية ومنعها من خوض انتخابات الكنيست أكثر نفاداً في حال كانت المحكمة العليا خاضعة لاعتبارات سياسية حزبية حاكمة. يعتبر مثل هذا التحول في ظل الذهنية الاسرائيلية اليمينة القصوى المتسيّدة والذي بات مقبولا في نزع الشرعية الوجودية للحركة السياسية العربية، سيضمن بقاء الليكود وتحالفاته في الحكم. ثم ان هذا الانقلاب القضائي فيما لو تحقق سيتم بموجبه اخضاع القانون والمنظومات للهيئة التشريعية (الكنيست)  بما يحمله من مخاطر على حظر التنظيم السياسي لفلسطينيي48 مواطني اسرائيل بما فيه تنظيمهم الكياني لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل.

6. قلق الحرديم:

بخلاف غالبية احزاب الائتلاف وحتى احزاب المعارضة التي تدعم الحكومة في مسألة التصعيد الحربي والحرب المفتوحة، فإن الاحزاب الدينية الحريدية تعدّ العدة ومنشغلة في معركتها على هويتها وضمن ذلك على ميزانية الدولة. ويبدو ان دافع الرغبة في الخروج من الائتلاف الحاكم وفك الشراكة مع نتنياهو والليكود يتعزز. هناك تقديرات بأن هذا المسعى هو مناورة لابتزاز نتنياهو لصالح الحسم في مسألة التجنيد للجيش، وكان من المفترض ان يشكل انضمام حزب ساعر الى الائتلاف واستبداله بوزير الحرب غالنت، المؤشر الاهم لحسم نتنياهو لصالح تشريعات تحول دون تجنيد المتدينين الحرديم للجيش والذي يريده غالنت ويبقي تمويل مدارسهم الدينية (اليشيفاه). الا ان موقف حزب يهود التوراة لا يتوقف عن حد المناورة السياسية، فهم يعارضون مبدأ الحرب المفتوحة، ويؤيدون الصفقة على اساس عقيدة “فدية الاسرى”، ثم انهم يعارضون بالمطلق فكرة بناء الهيكل وانتهاكات حرمة الاقصى من قبل بن غفير، ويعارضون فكرة الخلاص الارضي التي يقوم عليها تيار الصهيونية الدينية الاستيطاني بقيادة سموتريتش، ثم انهم يصلون الى القناعة بأن نتنياهو يستغلهم ومن ثم ينكث بوعوده. بناء عليه فإنهم يتصدون لمسعى نتنياهو بالسفر الى نيويورك مساء الاربعاء للمشاركة في جلسة الجمعية العمومية يوم الجمعة، وذلك لكونه أعلن انه سيعود خلال يوم السبت وهو اليوم الأقدس يهوديا وليس بعد انتهائه في ساعات المساء ليصل البلاد صباح الاحد. يرمي نتنياهو الى تقصير زيارته الى نيويورك والقاء خطابه امام المحفل الاممي وقد يلتقي ببايدن وعدد من زعماء العالم، وذلك نتيجة للوضع الامني المتفاقم في الشمال، بينما يقوم موقف حزب يهود التوراه على رفض “تدنيس حرمة السبت” وسفر رئيس الحكومة خلاله ويدعونه الى الغاء زيارته اذا كان الثمن هو تدنيس قدسية السبت ولشأن سياسي وغير ضروري بمفهوم انقاذ الارواح وفقا للعقيدة.

7. سموتريتش والفرصة المتاحة:

بالنسبة الى تيار الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش، على المستوى الحزبي قد تحدث انشقاقات ومساع لتغييره بقيادة أقل يمينية تعود الى العقيدة السياسية والدينية التاريخية لهذا التيار، الا ان تحالف سموتريتش واوريت ستروك يبدو الاكثر قوة. فيما سياسيا يرى هذا التيار ان الانشغال المحلي والدولي بالجبهة الشمالية هو فرصة لتحويل كل من غزة وحصريا الضفة الغربية الى الساحة الخلفية الاسرائيلية والتي تكون عنوانا لاستباحتها استيطانيا وتهجيرا وإتلاف موسم الزيتون الفلسطيني كثير الغلة هذا العام، بالكامل. لهذا، لا يكثر هذا التيار الحديث عن الحرب وانما جل انشغاله في السعي العملي على الارض لتقرير مصير الضفة الغربية والتقدم خطوات في مشروع الضم وخطة الحسم وتقويض اية امكانية لقيام دولة فلسطينية يشاركهم نتنياهو في هذا الهدف.

8. الاحزاب العربية:

اعلنت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل الاضراب العام لهذا الجمهور، وذلك في الاول من اكتوبر. يأتي الاضراب بالتزامن ما بين الذكرى السنوية لهبة القدس والاقصى والتي تزامنت مع انطلاق الانتفاضة الثانية عام 2000 وسقوط ثلاثة عشر شهيدا في الداخل، بينما تتمحور الذكرى هذا العام مع مرور عام على السابع من اكتوبر والحرب على غزة، ولتشكل صوتا جماعيا داعيا الى وقف حرب الابادة والى ابرام صفقة تبادل وانسحاب اسرائيل من غزة ومن معظم المناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة والقدس واقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما يشدد الموقف السياسي على فتح المعابر لإدخال المساعدات الانسانية سواء التي يتبرع بها بسخاء فلسطينيو48 او عربيا او دوليا ودونما اية قيود او شروط، وتؤكد رسالة الاضراب على ضرورة حماية الاقصى والمقدسات في القدس ووقف الانتهاكات والمساعي لتهويدها. تؤكد رسالة الاضراب العام الوقوف في وجه سياسة استهداف الاسرى والاسيرات الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية والتصدي لجرائم التعذيب حتى الموت والتجويع والتعطيش القاتلة يضاف الى الحالة الصحية ومساعي الاذلال الرهيبة. كما تتوقف الرسالة السياسية للإضراب عند استفحال منظومة الجريمة المنظمة وتوجيه اصابع الاتهام للمؤسسة الاسرائيلية المعنية بالجريمة وسطوتها التدميرية على المجتمع الفلسطيني ودفعه للهجرة او للتعاون مع السلطة الاسرائيلية. يشكل الاضراب مرحلة متقدمة من نضال هذا الجمهور ضد الحرب والاحتلال.

في المقابل لا يوجد لحد الان تصور جماعي بين الاحزاب والحركات المعنية في مسألة الخارطة السياسية الاسرائيلية الآنية والمستقبلية والتي تنحو بتسارع نحو اقصى اليمين والكهانية ونزع الشرعية لاي تمثيل سياسي عربي فلسطيني. كما تواجه هذه الاحزاب مساعي لنزع شرعيتها ليس فقط من الائتلاف الحاكم وانما من المعارضة ايضا.

تبدو هناك معالم استفاقة من حالة كتم الصوت القسرية التي فرضتها الدولة بكل مؤسساتها الامنية والمدنية والقضائية والاكاديمية والقضائية، والمعنية في المجمل باستدراج هذا الجزء من الشعب الفلسطيني الى المواجهة مع ميليشيات العنصرية الرسمية ومع الشرطة.

في المجمل لا تبدو الحركة السياسية العربية الفلسطينية في حالة انسجام رغم المخاطر المحدقة وجودياً، الا ان جهودا ومبادرات تسير في الدفع بهذا الاتجاه. حيث الاحزاب العربية مهددة بالشطب ليس فقط بسبب مواقفها، بل لمجرد وجودها في ظل الذهنية الكهانية الحاكمة.

ذاتيا تفتقر هذه الساحة السياسية الى الحوار الحقيقي وبناء القوة الوحدوية القادرة على ضمان الحماية لجمهور مهدد وجودبا.

في المحصلة هناك تراجع ملموس في دور الحركة السياسية العربية الفلسطينية، وذلك يعود في الاساس الى سطوة المؤسسة الاسرائيلية والى حالة الطوارئ المعلنة وحالة الحرب، وفي ظل سياسة كاتم الصوت القسرية لاي صوت مناهض للحرب وللاحتلال.

 

للخلاصة:

• اسرائيل متجهة الى حرب متدحرجة طويلة الامد وبكثافة عالية جدا، ضمن الضبط بألا تتحول الى حرب شاملة برا وبحرا وجوا، وتسعى الى تقويض حزب الله من داخله مهما كان الثمن اللبناني باهظا شعبا ودولة. في حال انجزت ما تسعى اليه قد يكون الاجتياح البري هو المرحلة التالية.

• الصراع السياسي الاسرائيلي هو تعبير عن ازمة عميقة ومستعصية لا تتوقف عند الموقف من الحرب، تعود في معظمها الى انسداد الافق السياسي في الائتلاف والى ضعف وتشتت المعارضة.

• تدور الحرب ومقابلها الصراعات والاصطفافات السياسية الحزبية وكذلك مواصلة الانقلاب القضائي الذي رافق هذه الحكومة منذ تشكيلها في ديسمبر 2022، ويبدو انه قد تعمق وترسّخ.

• ما قد يبدو انفصاما سياسيا اسرائيليا ما بين الثلثين يؤيدون ابرام صفقة التبادل في غزة مع حماس، وثلثين يدعمون الحرب على حزب الله ولبنان، على الرغم من انه لو لم يعوق نتنياهو الصفقة لكان من المفترض ان تكون تهدئة، هو في المحصلة تأييد شعبي واسع للحرب المفتوحة على عدة جبهات باعتبارها “حربا وجودية”.

• تراجع المعارضة توازي مع منسوب الحرب في الشمال يشير الى ان حكومة نتنياهو تبدو ثابتة ما دام لم يحصل اخفاق كبير في الحرب.

• استمرار حالة الحرب والطوارئ، بموازاة الانقلاب القضائي والذهنية العنصرية الكهانية المتسيّدة يهدد وجود الحركة الحزبية العربية الفلسطينية، ليشكل الاقصاء ونزع الشرعية وظيفيا اداة لإبقاء اقصى اليمين في الحكم اسرائيلياً

• مهما بلغت الحالة الحربية استعاراً، تبقى الصراعات السياسية في مكانها وقد تكون سيدة الموقف بصدد الاندفاع نحو توسيع اطار الحرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.